فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ ابن مسعود والحسن بخلاف عنه {لَنْ نُخْلِفُهُ} بالنون المفتوحة وكسر اللام على أن ذلك حكاية قول الله عز وجل، وقال ابن جني: أي لن نصادفه خلفًا فيكون من كلام موسى عليه السلام لا على سبيل الحكاية وهو ظاهر لو كانت النون مضمومة {وانظر إلى إلهك} أي معبودك {الذى ظَلْتَ} أي ظللت كما قرأ بذلك أبي والأعمش فحذفت اللام الأولى تخفيفًا، ونقل أبو حيان عن سيبويه أن هذا الحذف من شذوذ القياس ولا يكون ذلك إلا إذا سكن آخر الفعل، وعن بعض معاصريه أن ذلك منقاس في كل مضاعف العين واللام في لغة بني سليم حيث سكن آخر الفعل، وقال بعضهم: إنه مقيس في المضاعف إذا كانت عينه مكسورة أو مضمومة.
وقرأ ابن مسعود، وقتادة، والأعمش بخلاف عنه، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، وابن يعمر بخلاف عنه أيضًا {ظَلْتَ} بكسر الظاء على أنه نقل حركة اللام إليها بعد حذف حركتها، وعن ابن يعمر أنه ضم الظاء وكأنه مبني على مجيء الفعل في بعض اللغات على فعل بضم العين وحينئذ يقال بالنقل كما في الكسر {عَلَيْهِ} أي على عبادته {عَاكِفًا} أي مقيمًا، وخاطبه عليه السلام دون سائر العاكفين على عبادته القائلين: {لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عاكفين حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى} [طه: 91] لأنه رأس الضلال ورئيس أولئك الجهال {لَّنُحَرّقَنَّهُ} جواب قسم محذوف أي بالله تعالى لنحرقنه بالنار كما أخرج ذلك ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس، ويؤيده قراءة الحسن وقتادة وأبي جعفر في رواية وأبي رجاء والكلبي {لَّنُحَرّقَنَّهُ} مخففًا من أحرق رباعيًا فإن الإحراق شائع فيما يكون بالنار وهذا ظاهر في أنه صار ذا لحم ودم.
وكذا ما في مصحف أبي وعبد الله {عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرّقَنَّهُ}.
وجوز أبو على أن يكون نحرق مبالغة في حرق الحديد حرقًا بفتح الراء إذا برده بالمبرد ويؤيده قراءة على كرم الله تعالى وجهه وحميد وعمرو بن فايد وأبي جعفر في رواية وكذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {لَّنُحَرّقَنَّهُ} بفتح النون وسكون الحاء وضم الراء فإن حرق يحرق بالضم مختص بهذا المعنى كما قيل، وهذا ظاهر في أنه لم يصر ذا لحم ودم بل كان باقيًا على الجمادية.
وزعم بعضهم أنه لا بعد على تقدير كونه حيًا في تحريقه بالمبرد إذ يجوز خلق الحياة في الذهب مع بقائه على الذهبية عند أهل الحق، وقال بعض القائلين بأنه صار حيوانًا ذا لحم ودم: إن التحريق بالمبرد كان للعظام وهو كما ترى، وقال النسفي: تفريقه بالمبرد طريق تحريقه بالنار فإنه لا يفرق الذهب إلا بهذا الطريق.
وجوز على هذا أن يقال: إن موسى عليه السلام حرقه بالمبرد ثم أحرقه بالنار.
وتعقب بأن النار تذيبه وتجمعه ولا تحرقه وتجعله رمادًا فلعل ذلك كان بالحيل إلا كسيرية أو نحو ذلك {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ} أي لنذرينه وقرأت فرقة منهم عيسى بضم السين.
وقرأ ابن مقسم {لَنَنسِفَنَّهُ} بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد السين {فِي اليم} أي في البحر كما أخرج ذلك ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرج عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه فسره بالنهر، وقوله تعالى: {نَسْفًا} مصدر مؤكد أي لنفعلن به ذلك بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر ولا يصادف منه شيء فيؤخذ، ولقد فعل عليه السلام ما أقسم عليه كله كما يشهد به الأمر بالنظر، وإنما لم يصرح به تنبيهًا على كمال ظهوره واستحالة الخلف في وعده المؤكد باليمين، وفي ذلك زيادة عقوبة للسامري وإظهار لغباوة المفتتنين، وقال في البحر بيانًا لسر هذا الفعل: يظهر أنه لما كان قد أخذ السامري القبضة من أثر فرس جبريل عليه السلام وهو داخل البحر ناسب أن ينسف ذلك العجل الذي صاغه من الحلى الذي كان أصله للقبط وألقى فيه القبضة في البحر ليكون ذلك تنبيهًا على أن ما كان به قيام آل إلى العدم وألقى في محل ما قامت به الحياة وأن أموال القبط قذفها الله تعالى في البحر لا ينتفع بها كما قذف سبحانه أشخاص مالكيها وغرقهم فيه ولا يخفى ما فيه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {قَالَ يا هرون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ}.
قال بعض أهل العلم: لا في قوله: {أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} زائدة للتوكيد. واستدل من قال ذلك بقوله تعالى في الأعراف: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] قال لأن المراد: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك. بدليل قوله في القصة بعينها في سورة ص: {قَالَ ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] الية، وقوله تعالى: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّن فَضْلِ الله} [الحديد: 29] الآية. أي ليعلم أهل الكتاب، وقوله: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] أي فوربك لا يؤمنون، وقوله: {وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة} [فصلت: 34] أي والسيئة، وقوله: {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] على أحد القولين، وقوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 109] على أحد القولين، وقوله: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ} [الأنعام: 151] الآية على أحد الأقوال فيها. ونظير ذلك من كلام العرب قول امرئ القيس:
فلا وأبيك ابنة العامري ** لا يدعي القوم أني أفر

يعني فوأبيك. وقول أبي النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا ** لما رأين الشمط القفندرا

يعني أن تسخر، وقول الآخر:
ما كان يرضى رسول الله دينهم ** والأطيبان أبو بكر ولا عمر

يعني وعمر. وقول الآخر:
وتلحينني في اللهو ألا أحبه ** وللهو داع دائب غير غافل

يعني أن أحبه، ولا مزيدة في جميع الأبيات لتوكيد الجحد فيها. وقال الفراء: إنها لا تزاد إلا في الكلام الذي فيه معنى الجحد كالأمثلة المتقدمة. والمراد بالجحد النفي وما يشبهه كالمنع في قوله: {مَا مَنَعَكَ} ونحو ذلك. والذي يظهر لنا والله تعالى أعلم. أن زيادة لفظة لا لتوكيد الكلام وتقويته أسلوب من أساليب اللغة العربية، وهو في الكلام الذي فيه معنى الجحد أغلب مع أن ذلك مسموع في غيره. وأنشد الأصمعي لزيادة لا قول ساعدة الهذلي:
أفعنك لا برق كان وميضه ** غاب تسنمه ضرام مثقب

ويروى أفمنك بدل أفعنك بدل تسنمه يعين أعنك برق ولا زائدة للتوكيد والكلام ليس فيه معنى الجحد. ونظيره قول الآخر:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة ** وكاد صميم القلب لا يتقطع

يعني كاد يتقطع. وأنشد الجوهري لزيادة لا قول العجاج:
في بئر لا حور سرى وما شعر ** بإفكه حتى رأى الصبح جشر

والحور الهلكة. يعني في بئر هلكة ولا زائدة للتوكيد. قاله أبو عبيدة وغيره. والكلام ليس فيه معنى الجحد. وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة البلد.
قوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}.
الظاهر أن أمره المذكور في هذه الآية هو المذكور في قوله تعالى: {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} [الأعراف: 142].
وهذه الآية الكريمة تدل على اقتضاء الأمر للوجوب. لأنه أطلق اسم المعصية على عدم امتثال الأمر، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة: كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] فجعل أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم مانعًا من الاختيار، موجبًا للامتثال. وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] فوبخه هذا التوبيخ الشديد على عدم امتثال الأمر المدلول عليه بصيغة أفعل في قوله تعالى: {اسجدوا لآدَمَ} [البقرة: 34]. وجماهير الأصوليين على أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب للأدلة التي ذكرنا وغيرها مما هو مماثل لها. وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله:
وافعل لدى الأكثر للوجوب ** وقيل للندب أو المطلوب

إلخ.
{قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هارون قال لأخيه موسى {يابنؤم لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} وذلك يدل على أنه لشدة غضبه أراد أن يمسك برأسه ولحيته. وقد بين تعالى في الأعراف أنه أخذ برأسه يجره إليه. وذلك في قوله: {وَأَلْقَى الألواح وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف: 150]. وقوله: {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} من بقية كلام هارون. أي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل، وأن تقول لي لم ترقب قولي! أي لم تعمل بوصيتي وتمتثل أمري.
تنبيه:
هذه الآية الكريمة بضميمة آية الأنعام إليها تدل على لزوم إعفاء اللحية، فهي دليل قرآني على إعفاء اللحية وعدم حلقها. وآية الأنعام المذكورة هي قوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وموسى وَهَارُونَ} [الأنعام: 84] الآية. ثم إنه تعالى قال بعد أن عد الأنبياء الكرام المذكورين {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] فدل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك أمر لنا. لأن أمر القدوة أمر لأتباعه! كما بينا إيضاحه بالأدلة القرآنية في هذا الكتاب المبارك في سورة المائدة وقد قدمنا هناك: أنه ثبت في صحيح البخاري: أن مجاهدًا سأل ابن عباس: من أين أخذت السجدة في ص قال: أو ما تقرأ {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} [الأنعام: 84] {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا علمت بذلك أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم في سورة الأنعام، وعلمت أن أمره أمر لنا. لأن لنا فيه الأسوة الحسنة، وعلمت أن هارون كان موفرًا شعر لحيته بدليل قلوه لأخيه: {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} لأنه لو كان حالقًا لما أراد أخوه الأخذ بلحيته تبين لك من ذلك بإيضاح: أن إعفاء اللحية من السمت الذي أمرنا به في القرآن العظيم، وأ، ه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم. والعجب من الذين مضخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية، وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية. وقد كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة. والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها: ليس فيهم حالق. نرجو الله أن يرينا وإخواننا المؤمنين الحق حقًا، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه.
أما الأحاديث النبوة الدالة على إعفاء اللحية، فلسنا بحاجة إلى ذكرها لشهرتها بين الناس، وكثرة الرسائل المؤلفة في ذلك.
وقصدنا هنا أن نبين دليل ذلك من القرآن. وإنما قال هارون لأخيه {قَالَ يابنأم} لأن قرابة الأم أشد عطفًا وحنانًا من قرابة الأب. وأصله. يا بنؤمي بالإضافة إلى ياء المتكلم، ويطرد حذف الياء وإبدالها ألفًا وحذف الألف المبدلة منها كما هنا، وإلى ذلك أشار في الخلاصة بقوله:
وفتح أو كسر وحذف اليا استمر ** في يا بنؤم يا بن عم لا مفر

وأما ثبوت ياء المتكلم في قول حرملة بن المنذر:
يا بنؤمي ويا شقيق نفسي ** أنت خليتني لدهر شديد

فلغة قليلة. وقال بعضهم: هو لضرورة الشعر. وقوله: {يا بنؤم} قرأه ابن عامر وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي بكسر الميم. وقرأه الباقون بفتحها. وكذلك قوله في الأعراف: {قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ القوم} [الأعراف: 150] الآية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)}.
انتقل موسى من محاورة قومه إلى محاورة أخيه، فجملة {قَالَ ياهارون} تابعة لجملة {قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدًا حسنًا} [طه: 86]، ولجملة {قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا} [طاه: 87] وقد وجدت مناسبة لحكاية خطابه هارون بعد أن وقع الفصْل بين أجزاء الحكاية بالجمل المعترضة التي منها جملة {ولقد قال لهم هارون من قبل} [طه: 90].. إلخ. فهو استطراد في خلال الحكاية للإشعار بعذر هارون كما تقدم.
ويحتمل أن تكون عطفًا على جملة {ولقد قال لهم هارون}.. إلخ. على احتمال كون تلك من حكاية كلام قوم موسى.
علم موسى أن هارون مخصوص من قومه بأنّه لم يعبد العجل، إذ لا يجوز عليه ذلك لأنّ الرسالة تقتضي العصمة، فلذلك خصه بخطاب يناسب حاله بعد أن خاطب عموم الأمة بالخطاب الماضي.
وهذا خطاب التوبيخ والتهديد على بقائه بين عبدة الصنم.
والاستفهام في قوله: {مَا مَنَعَكَ} إنكاري، أي لا مانع لك من اللحاق بي، لأنه أقامه خليفة عنه فيهم فلما لم يمتثلوا أمره كان عليه أن يرد الخلافة إلى من استخلفه.
و{إذْ رأيْتَهُم} متعلق ب {مَنَعَكَ}.
وأنْ مصدرية، ولا حرف نفي.
وهي مؤذنة بفعل محذوف يناسب معنى النفي.
والمصدر الذي تقتضيه أن هو مفعول الفعل المحذوف.
وأما مفعول {مَنَعَكَ} فمحذوف يدلّ عليه {مَنَعَكَ} ويدل عليه المذكور.
والتقدير: ما منَعك أن تتبعني واضطرّك إلى أنْ لا تتبعني، فيكون في الكلام شِبه احتباك.
والمقصود تأكيدُ وتشديدُ التوبيخ بإنكار أن يكون لهارونَ مانع حينئذ من اللحاق بموسى ومقتض لعدم اللحاق بموسى، كما يقال: وُجد السبب وانتفَى المانع.
ونظيره قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} في سورة الأعراف (12) فارجعْ إليه.
والاستفهام في قوله: {أفَعَصَيْتَ أمري} مفرع على الإنكار، فهو إنكار ثان على مخالفة أمره، مشوب بتقرير للتهديد.
وقوله في الجواب {يا ابن أم} نداء لقصد الترقيق والاستشفاع.